فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (26):

قوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما كان من أشد العقاب الإذلال، حذرهموه بالتذكير بما كانوا فيه من الذل، لأنه أبعث على الشكر وأزجر عن الكفر فقال: {واذكروا} وذكر المفعول به فقال: {إذ أنتم} أي في أوائل الإسلام {قليل} أي عددكم.
ولما كان وجود مطلق الاستضعاف دالًا على غاية الضعف بنى للمفعول قوله: {مستضعفون} أي لا منفذ عندكم {في الأرض} أطلقها والمراد مكة، لأنها لعظمها كأنها هي الأرض كلها، ولأن حالهم كان في بقية البلاد كحالهم فيها أو قريبًا من ذلك، ولذلك عبر الناس في قوله: {تخافون} أي في حال اجتماعكم فكيف عند الانفراد {أن يتخطفكم} أي على سبيل التدريج {الناس} أي كما تتخطف الجوارح الصيود، فحذرهم سبحانه- بالتنبيه على قادر على أن يعيدهم إلى ما كانوا عليه- من هذه الأحوال بالمخالفة بين كلمتهم وترك التسبب إلى اجتماعها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي ذلك أيضًا إشارة إلى أنهم لما كانوا في تلك الحالة التي هي في غاية الضعف، وكانت كلمتهم مجتمعه على أمر الله الذي هو توحيده وطاعة رسوله، أعقبهم الإيواء في دار منيعة، قد أيدهم بالنصر وأحسن رزقهم، وذلك معنى قوله تعالى مسببًا عما قبله: {فآواكم} أي في دار الهجرة رحمة لكم {وأيدكم بنصره} أي بأهلها مع الملائكة {ورزقكم من الطيبات} أي الغنائم الكاملة الطيبة بالإحلال وعدم المنازع التي لم تحل لأحد قبلكم وغيرها {لعلكم تشكرون} أي ليكون حالكم حال من يرجى شكره، فيكون بعيدًا عن المنازعه في الأنفال، وذلك إشارة إلى أنهم مهما استمروا على تلك الحالة، كان- بإقبالهم على مثل ما أتاهم به وزادهم من فضله- أن جعلهم سادة في الدارين بما يهب لهم من الفرقان الآتي في الآية بعدها والتوفيق عند إتيانه، فالآية منصبة إلى الصحابه بالقصد الأول وهي صالحة للعرب كافة فتنصرف إليهم بالقصد الثاني؛ قال قتادة: كان هذا الحي من العرب أذل الناس وأشقاهم عيشًا وأجوعهم بطنًا وأعراهم جلدًا وأبينهم ضلالًا، من عاش شقيًا ومن مات منهم تردى في النار معكوفين على رأس الحجرين الشديدين: فارس والروم، يؤكلون ولا يأكلون، وما في بلادهم شيء عليه يحسدون حتى جاء الله بالإسلام، فمكن لهم من البلاد ووسع لهم في الرزق والغنائم وجعلهم ملوكًا على قارب الناس، وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم فاشكروا الله على نعمه، فإن ربكم يحب شكره والشاكر في مزيد من الله تعالى. اهـ.

.قال الفخر:

{وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ}
اعلم أنه تعالى لما أمرهم بطاعة الله وطاعة الرسول، ثم أمرهم باتقاء المعصية، أكد ذلك التكليف بهذه الآية، وذلك لأنه تعالى بين أنهم كانوا قبل ظهور الرسول صلى الله عليه وسلم في غاية القلة والذلة، وبعد ظهوره صاروا في غاية العزة والرفعة، وذلك يوجب عليهم الطاعة وترك المخالفة.
أما بيان الأحوال التي كانوا عليها قبل ظهور محمد فمن وجوه: أولها: أنهم كانوا قليلين في العدد.
وثانيها: أنهم كانوا مستضعفين، والمراد أن غيرهم يستضعفهم، والمراد من هذا الاستضعاف أنهم كانوا يخافون أن يتخطفهم الناس.
والمعنى: أنهم كانوا إذا خرجوا من بلدهم خافوا أن يتخطفهم العرب، لأنهم كانوا يخافون من مشركي العرب لقربهم منهم وشدة عداوتهم لهم، ثم بين تعالى أنهم بعد أن كانوا كذلك قلبت تلك الأحوال بالسعادات والخيرات، فأولها: أنه آواهم والمراد منه أنه تعالى نقلهم إلى المدينة، فصاروا آمنين من شر الكفار، وثانيها: قوله: {وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ} والمراد منه وجوه النصر في يوم بدر، وثالثها: قوله: {وَرَزَقَكُم مّنَ الطيبات} وهو أنه تعالى أحل لهم الغنائم بعد أن كانت محرمة على من كان قبل هذه الأمة.
ثم قال: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} أي نقلناكم من الشدة إلى الرخاء، ومن البلاء إلى النعماء والآلاء، حتى تشتغلوا بالشكر والطاعة، فكيف يليق بكم أن تشتغلوا بالمنازعة والمخاصمة بسبب الأنفال؟. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال السمرقندي:

ثم ذكرهم النعم فقال تعالى: {واذكروا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ}، يعني واحفظوا نعمة الله عليكم إذ كنتم قليلًا في العدد وهم المهاجرون، {مُّسْتَضْعَفُونَ في الأرض}؛ يعني مقهورون في أرض مكة.
{تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ الناس}، يعني يختلسكم ويذهب بكم الكفار.
{فَآوَاكُمْ} بالمدينة {وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ} بنصره يوم بدر.
وقال قتادة: كانوا بين أسدين، بين قيصر وكسرى، يخافون أن يتخطفهم الناس، وهم أهل فارس والروم والعرب ممن حول مكة.
ثم قال: {وَرَزَقَكُم مّنَ الطيبات}، يعني الحلال وهو الغنيمة.
{لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}، يعني لكي تشكروا الله وتطيعوه وتعرفوا ذلك منه. اهـ.

.قال الثعلبي:

{واذكروا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ}
في العدد {مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأرض} أرض مكّة في عنفوان الإسلام {تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ} يُذهب بكم {الناس} كفّار مكّة، وقال وهب: فارس والروم {فَآوَاكُمْ} إلى المدينة {وَأَيَّدَكُم} يوم بدر أيدكم بالانتصار وأُمدّكم بالملائكة {وَرَزَقَكُمْ مِّنَ الطيبات} يعني الغنائم أجالها لكم ولم يجلها لأحد قبلكم {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
قال قتادة: كان هذا الحي من العرب أذلّ الناس ذلًا وأشقاهم عيشًا وأجوعهم بطنًا وأغراهم جلودًا وآمنهم ضلالا، من عاش منهم عاش شقيًا ومن مات منهم ردى في النار مكعوبين على رأس الحجرين الأشدين فارس والروم.
يؤكلون ولا يأكلون وما في بلادهم شيء عليه يحسدون، والله ما نعلم قبيلًا من حاضر أهل الأرض يومئذ كانوا شر منزلًا منهم حتّى جاء الله عزّ وجلّ بالاسلام فمكن في البلاد ووسع به في الرزق وجعلكم به ملوكًا على رقاب الناس.
وبالإسلام أعطى الله ما رأيتم فاشكروا لله نعمه، فإن ربكم منعم يجب الشكر له وأجمل الشكر في مزيد من الله تعالى. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَاذْكُرُواْ إذْ أنتُم قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأرْضِ}
يريد بذلك قلتهم إذ كانوا بمكة وذلتهم باستضعاف قريش لهم.
وفي هذا القول وجهان:
أحدهما: أن الله ذكّرهم بذلك نعمه عليهم.
والثاني: الإخبار بصدق وعده لهم.
{تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ} فيه قولان:
أحدهما: يعني بالناس كفار قريش، قاله عكرمة وقتادة.
والثاني: فارس والروم، قاله وهب بن منبه.
ثم بيّن ما أنعم به عليهم فقال: {فَئَاوَاكُمْ} وفيه وجهان:
أحدهما: أي جعل لكم مأوى تسكنون فيه آمنين.
والثاني: فآواكم بالهجرة إلى المدينة، قاله السدي.
{وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ} أي قواكم بنصره لكم على أعدائكم يوم بدر.
{وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ} يعني من الحلال، وفيه قولان:
أحدهما: ما مكنكم فيه من الخيرات.
والثاني: ما أباحكم من الغنائم، قاله السدي.
وقال الكلبي ومقاتل: نزلت هذه الآية في المهاجرين خاصة بعد بدر. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {واذكروا إذ أنتم قليل} الآية، هذه آية تتضمن تعديد نعم الله على المؤمنين، و{إذ} ظرف لمعمول {واذكروا}، تقديره واذكروا حالكم الكائنة أو الثابتة إذ أنتم قليل، ولا يجوز أن تكون {إذ} ظرفًا للذكر وإنما يعمل الذكر في {إذ} لو قدرناها مفعولة، واختلف الناس في الحال المشار إليها بهذه الآية، فقالت فرقة هي الأكثر: هي حال مكة في وقت بداءة الإسلام، والناس الذين يخاف تخطفهم كفار مكة، والمأوى على هذا التأويل المدينة والأنصار، والتأييد بالنصر وقعة بدر وما أنجز معها في وقتها، و{الطيبات} الغنائم وسائر ما فتح الله عليهم به، وقالت فرقة: الحال المشار إليها هي حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في غزوة بدر، والناس الذي يخاف تخطفهم على هذا عسكر مكة وسائر القبائل المجاورة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتخوف من بعضهم، والمأوى على هذا والتأييد بالنصر هو الإمداد بالملائكة والتغليب على العدو، و{الطيبات} الغنيمة.
قال القاضي أبو محمد: وهذان قولان يناسبان وقت نزول الآية لأنها نزلت عقب بدر، وقال وهب بن منبه وقتادة: الحال المشار إليها هي حال العرب قاطبة، فإنها كانت أعرى الناس أجسامًا وأجوعهم بطونًا وأقلهم حالًا ونعمًا، والناس الذين يخاف تخطفهم على هذا التأويل فارس والروم، والمأوى على هذا هو النبوءة والشريعة، والتأييد بالنصر هو فتح البلاد وغلبة الملوك، و{الطيبات} هي نعم المآكل والمشارب والملابس.
قال القاضي أبو محمد: وهذا التأويل يرده أن العرب كانت في وقت نزول هذه الآية كافرة إلا القليل ولم تترتب الأحوال التي ذكر هذا المتأول، وإنما كان يمكن أن يخاطب العرب في هذه الآية في آخر زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإن تمثل أحد بهذه الآية لحالة العرب فتمثله صحيح، وأما أن تكون حالة العرب هي سبب الآية فبعيد لما ذكرناه، وقوله: {لعلكم تشكرون} ترج بحسب البشر متعلق بقوله: {واذكروا}. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {واذكروا إذْ أنتم قليلٌ}
قال ابن عباس: نزلت في المهاجرين خاصة، كانت عِدَّتُهم قليلةً، وهم مقهورون في أرض مكة، يخافون أن يستلبهم المشركون.
وفي المراد بالناس ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم أهل مكة، قاله ابن عباس.
والثاني: فارس والروم، قاله وهب بن منبِّه.
والثالث: أنهم المشركون الذين حضروا بدرًا، والمسلمون قليلون يومئذ، قاله قتادة.
قوله تعالى: {فآواكم} فيه قولان:
أحدهما: فآواكم إلى المدينة بالهجرة، قاله ابن عباس والأكثرون.
والثاني: جعل لكم مأوى تسكنون فيه آمنين، ذكره الماوردي.
وفي قوله: {وأيدكم بنصره} قولان:
أحدهما: قوَّاكم بالملائكة يوم بدر، قاله الجمهور.
والثاني: عضدكم بنصره في بدر وغيرها، قاله أبو سليمان الدمشقي.
وفي قوله: {ورزقكم من الطيبات} قولان:
أحدهما: أنها الغنائم التي أحلَّها لهم، قاله السدي.
والثاني: أنها الخيرات التي مكنَّهم منها، ذكره الماوردي. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {واذكروا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ}
قال الكَلْبي: نزلت في المهاجرين؛ يعني وصف حالهم قبل الهجرة وفي ابتداء الإسلام.
{مُّسْتَضْعَفُونَ} نعت.
{فِي الأرض} أي أرض مكة.
{تَخَافُونَ} نعت.
{أَن يَتَخَطَّفَكُمُ} في موضع نصب.
والخطف: الأخذ بسرعة.
{الناس} رفع على الفاعل.
قَتَادة وعِكرمة: هم مشركو قريش.
وهب بن منبّه: فارس والرّوم.
{فَآوَاكُمْ} قال ابن عباس: إلى الأنصار.
السُّدِّي: إلى المدينة؛ والمعنى واحد.
آوى إليه (بالمد): ضمّ إليه.
وأوى إليه (بالقصر): انضم إليه.
{وَأَيَّدَكُم} قوّاكم.
{بِنَصْرِهِ} أي بعونه.
وقيل: بالأنصار.
وقيل: بالملائكة يوم بدر.
{وَرَزَقَكُمْ مِّنَ الطيبات} أي الغنائم.
{لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} قد تقدّم معناه. اهـ.